02‏/07‏/2015

في الحبّ ...

🍁 ومن حرّم الكلام في الحب؟!
واللهُ الذي أمال على الزهرة حتى تكون الثمرة، وعطف الحمامة على الحمامة حتى تنشأ البيضة، وأدنى الجبل من الجبل حتى يولد الوادي، ولوى الأرض في مسراها على الشمس حتى يتعاقب الليل والنهار، هو الذي ربط بالحبّ القلبَ بالقلب حتى يأتي الولد.

ولولا الحب ما التفّ الغصن على الغصن في الغابة النائية، ولا عطف الظبي على الظبية في الكناس البعيد، ولا حنى الجبل على الرابية الوادعة، ولا أمدّ الينبوع الجدول الساعي نحو البحر.

ولولا الحب ما بكى الغمام لجدب الأرض، ولا ضحكت الأرض بزهر الربيع، ولا كانت الحياة.

ما في الحب شيءٌ ، ولا على المحبين سبيل، إنما السبيل على من ينسى في الحب دينه، أو يضيّعُ خلقه، أو يهدم رجولته أو يشتري بلذةِ لحظةٍ في الدنيا عذاب ألف سنة في جهنم، أو لم يؤلف ثلاثة من أعلام الإسلام، ثلاثة كتب في الحب، وهم صاحب الأعلام، ومصنف المُحلى والإمام ابن الإمام؟

ويا ليت الشبان يعودون إلى الحب، فتقل هذه الشرور، ويخف هذا الفساد، ولكن أنىّ يكون الحب، مع هذه الشهوات المتسعّرة ؟

إنها إذ لم تطمر الفحمة في بطن الأرض دهراً، لا تصير ألماساً، وإذا لم تدفن الشهوة في جوف القلب عمراً، لا تكون حباً.

ولكن كيف أكتب عن الحب؟
وهل تسع هذه المقالة حديث الحب؟
هل يوضع القمر في كف غلام ؟ ....
أين التعبير الذي يترجم عن العاطفة؟
إن البشر لا يزالون أطفالاً ما تعلموا الكلام، إنهم خرس يتكلمون بالإشارات وما هذه اللغات البشرية إلا إشارات الخرسان، وإلا فأين الألفاظ التي تصف ألوان الغروب، ورجفات الأنغام، وهواجس القلوب؟
نقول للون أحمر، وفي صفحة الأفق عند المساء عشرات الألوان كلها أحمر، وما يشبه لون منها لوناً، وما عندنا لهذه العشرات إلا هذا اللفظ الواحد، ونقول للحن رصد، ولكن رجفة في صوت المغني، أو مدة أو غنة، تجعل من الرصد مئة رصد، وما عندنا لهذه المئة إلا اللفظ الواحد.
ونقول، قصة جميلة، ونغمة جميلة، ومنظر جميل، وطفل جميل، ما عندنا إلا هذا اللفظ الواحد، نكرره كالببغاوات نعبر به عن ألف جمال، ما منها جمال يشبه جمالاً، وأين جمال القصة، من جمال الوادي، جمال العمارة من جمال المرأة؟
وجمال المرأة؟ أهو لون واحد، حتى نطلق عليه الوصف الواحد؟ لو حشدت مئة من أجمل الجميلات في مكان، لرأيت مئة لون من ألوان الجمال تشعر بها، ولكن لا تملك وصفها...."
صور وخواطر - الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم