21‏/02‏/2015

العمل الإسلاميّ بين النخبة والعامّة

العمل الإسلامي بين النّخبة والعامّة.

✔توجد مدارس وأحزاب تنشط بين النّخَب والصفوة .. وتجعل جلّ اهتمامها مركّزاً على النُّخَب .. وفريق آخر تراه ينشط بين العامّة من الأمة، ويجعل جل اهتمامه مركزاً على العامة، فتُعرَف حركته بالشعبويّة.

والحق وسط بينهما؛ يجمع بين خيري المدرستين والفريقين، فهو من جهة يهتم بتكوين وتشكيل العناصر القيادية المميزة القادرة على قيادة القافلة، ومن جهة أخرى يهتم بالشعوب والعامة، ويتفاعل معها أخذاً وعطاء، وينطلق بها نحو كلياته وأهدافه العامة، فيعطي كل فريق حقّه من غير إفراط ولا تفريط.

وهو الذي دلت عليه أدلة الكتاب والسنة، وكان عليه عمل الصحابة من الخلفاء الراشدين وغيرهم.

قال تعالى:[ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ  وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ]آل عمران:104. وقوله [ منكم ]؛ أي من الأمة العامّة الجامعة لجميع طبقات الناس من المسلمين. وقوله [ أُمَّةٌ ]؛ أي طائفة من الأمة العامّة، وهي النخبة والصفوة، والطائفة المنصورة من العلماء العاملين، والأمراء المصلحين التي تنهض لمهمة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

ونحوه قوله صلى الله عليه وسلم:" لا تزال طائفةٌ من أمتي قائمةً بأمرِ اللهِ، لا يضرُّهم من خذلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمرُ اللهِ وهم ظاهرون على الناسِ " مسلم.

الطائفة؛ هي النخبة والصفوة، التي تناط بها القيادة والمهام العظيمة، والتي منها القيام بأمر الله. وقوله " من أمتي "؛ أي من الأمة العامّة الجامعة لجميع شرائح وطبقات المسلمين.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يتحرك ويجاهد بمجموع الأمة، ويهتم بجميع شؤون المسلمين على اختلاف طبقاتهم ومستوياتهم، كان له صفوة من الوزراء والأعوان المقربين تُناط بهم المهام الصعبة، كالعشرة المبشرين بالجنة وغيرهم .. كما كان صلى الله عليه وسلم يحض على طلب العلم، ويرغب به، ويثني على العلماء الربانيين ثناء عظيماً، وطلب العلم هو الخطوة الأولى نحو تشكيل وفرز النُّخَب والعناصر القيادية، والضرورية للأمة.

وأيما حركة تريد أن يُكتَب لها النجاح، وأن تستمر في الوجود والحياة لا بد لها من أن تجمع في عملها ودعوتها وجهادها بين النخبة، وتكوين القيادات المميزة والقادرة على تحمل الإرث، وقيادة السفينة، وبين الحراك الشعبي العام، فلا تفرط بجانب لحساب الجانب الآخر، بل تسير بهما معا بالتوازي، ومن غير إفراط ولا تفريط.
فإن قيل: من هم النخبة والصفوة، وإلى أي مدرسة أو جماعة تنتمي ..؟

أقول: لا يحق لمدرسة أو جماعة بعينها أن تحتكر النخبة والصفوة لنفسها دون غيرها .. أو حتى أن تدعيها .. فالنخبة ــ والتي هي الطائفة المنصورة الظاهرة ــ يُحكم عليها من خلال مجموعة من الصفات تتوفر فيها، وليس لمجرد الانتماء إلى جماعة أو حزب بعينه، وأيما فرد تتحقق فيه هذه الصفات فهو من النخبة والطائفة المنصورة الظاهرة، على قدر ما تتمثل فيه هذه الصفات، والتي منها: العلم، وتحقيق المتابعة للسنة، والجهاد في سبيل الله.

وهناك صفات آخرى فرعية قد جمعناها وذكرناها في كتابنا " صفة الطائفة المنصورة التي يجب أن تكثر سوداها "، فليراجعه من شاء.

21/2/2015
الشيخ أبو بصير الطرطوسي.

✔الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أما بعد
فإني اقول بكل ماقاله الشيخ أبو بصير حفظه الله تعالى في هذا الجواب
فلابد من نخبة متميزة تحافظ على المشروع ومن أمة تحتضن المشروع باحتضان تلك النخبة التي تحمل المشروع  والمذموم جهاد النخبة على الوجه القائم اليوم. ومن صوره حصر الولاء في اهل النخبة الى درجة ان النخبة صار لنا نصيب وافر من قوله تعالى (نحن أبناء الله وأحباؤه ) ولكن بلسان الحال والسلوك وليس بلسان القال .ولهذا نقول جهادنا شعبوي نخبوي بهذا المعنى
نخبة تكون مع عامة المسلمين تخفض الجناح لهم وترعى مصالحهم الدينية والدنيوية وتأخذ في قراراتها مايعود على جمهور المسلمين من نفع أو ضرر
نخبة تتألم لبكاء اﻻطفال واﻻم المعذبين واﻻيتام واﻻرامل والشيوخ والمحتاجين وﻻتدع خطة رشد تدفع عن هؤﻻء آﻻمهم اﻻ أخذت بها والله اعلم
ابو العباس الشامي

هل القلة وصف لازمٌ لأهل الحق ؟!


ذكر الإمام البخاري رحمه الله ( 256 هـ )  في صحيحه " تعليقا "
 باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم وقول الله تعالى ﴿
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [ التوبة ، 115 ]
وكان ابن عمر يراهم شرار خلق الله وقال إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين.
ومن ذلك اعتبار بعض الجهلة القلة صفة ملازمة للحق يتمايز المسلمون بها فيما بينهم مستدلا بقوله تعالى ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ  ﴾ [ يوسف، 103 ]
وبقوله تعالى ﴿وَ إِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ) [ الأنعام ، 116 ]
فهذه الآيات صحت دلالتها على تضليل أكثر الناس وهم الذين ابتغوا غير دين الإسلام كما قال تعالى ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [ آل عِمران ، 85 ]
ولا يستدل بها على تضليل جمهور المسلمين إلا سفيه جاهل ، أو ضالّ مبتدع
 فتجده يخالف ما عليه أكثر علماء الأمة ويخالف السواد الأعظم من المسلمين ويضللهم إلا من تبع جماعته أو حزبه
مع ورود الأمر الإلاهي بسلوك طريق السنة و الجماعة وتجنب مخالفة طريق المسلمين قال رب العزة والجلالة  ﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيراً ﴾ [ النساء ، 115 ]  و الألف واللام مع الأسماء تفيد العموم ، على الخلاف المشهور بين الجمهور والحنفية في دلالته على أفراده هل هي دلالة ظنية أم قطعية فهو إن لم يشمل الكل شمل الأكثر أو الغالب
ومع وصية النبي صلى الله عليه وسلم بملازمة السواد الأعظم كما في الحديث الذي رواه ابن ماجه في سننه ، باب السّواد الأعظم ،  عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أمتي لن تجتمع على ضلالة فإذا رأيتم اختلافاً فعليكم بالسواد الأعظم)) . وهذا الحديث وإن اختلف في سنده المحدثون إلا أنه أصل من أصول أهل السنة.
أعاذني الله وإياكم من الجهل فإنه أصل الغلو
والحمد لله رب العالمين.

15‏/02‏/2015

في ظلال آية

هل من تعلّق قلبهُ بالآخرة يخسرُ متاعَ الدُّنيا ؟!

قال في الظّلال :
" ... ثم يكشف عن صفةٍ تَحمِلُ معنى العلّة لكفرِ الكافرين بنعمة اللّه التي يحملها رسوله الكريم :
«الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ»«وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ، وَيَبْغُونَها عِوَجاً ، أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ» ..
❌فاستحباب الحياة الدنيا على الآخرة يصطدم بتكاليف الإيمان ويتعارض مع الاستقامة على الصراط.
وليس الأمر كذلك حين تستحب الآخرة ، لأنه عندئذ تصلح الدنيا ، ويصبح المتاع بها معتدلا ، ويراعى فيه وجه اللّه. فلا يقع التعارض بين استحباب الآخرة ومتاع هذه الحياة.
✔ إن الذين يوجهون قلوبهم للآخرة ، لا يخسرون متاع الحياة الدنيا - كما يقوم في الأخيلة المنحرفة - فصلاح الآخرة في الإسلام يقتضي صلاح هذه الدنيا ، والإيمان باللّه يقتضي حسن الخلافة في الأرض ، وحسن الخلافة في الأرض هو استعمارها والتمتع بطيباتها.
✔ إنه لا تعطيل للحياة في الإسلام انتظارا للآخرة ، ولكن تعمير للحياة بالحق والعدل والاستقامة ابتغاء رضوان اللّه ، وتمهيدا للآخرة ..
هذا هو الإسلام.
❌فأما الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ، فلا يملكون أن يصلوا إلى غاياتهم من الاستئثار بخيرات الأرض ، ومن الكسب الحرام ، ومن استغلال الناس وغشهم واستعبادهم .. لا يملكون أن يصلوا إلى غاياتهم هذه في نور الإيمان باللّه ، وفي ظل الاستقامة على هداه
❌ ومن ثم يصدون عن سبيل اللّه ، يصدون أنفسهم ويصدون الناس ، ويبغونها عوجا لا استقامة فيها ولا عدالة ، وحين يفلحون في صد أنفسهم وصد غيرهم عن سبيل اللّه ، وحين يتخلصون من استقامة سبيله وعدالتها ، فعندئذ فقط يملكون أن يظلموا وأن يطغوا وأن يغشوا وأن يخدعوا وأن يغروا الناس بالفساد ، فيتم لهم الحصول على ما يبغونه من الاستئثار بخيرات الأرض ، والكسب الحرام ، والمتاع المرذول ، والكبرياء في الأرض ، وتعبيد الناس بلا مقاومة ولا استنكار.
✔ إن منهج الإيمان ضمانة للحياة وضمانة للأحياء من أثرة الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ، واستئثارهم بخيرات هذه الحياة.

11‏/02‏/2015

قبسٌ من سورة الإسراء


ذكر الإمام القرطبي رحمه الله عند قوله تعالى ﴿ وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا ﴾ الإسراء ٨٦
عن ابن عمر رضي الله عنه : لا تقوم الساعة حتى يرجع القرآن من حيث نزل ، له دوي كدوي النحل ،فيقول الله ما بالك . فيقول : يا رب منك خرجت وإليك أعود ، أتلى فلا يعمل بي ، أتلى ولا يعمل بي . .
قال القرطبي رحمه الله : قد جاء معنى هذا مرفوعا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وحذيفة . قال حذيفة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة فيسرى على كتاب الله تعالى في ليلة فلا يبقى منه في الأرض آية وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز يقولون أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله . وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة . قال له صلة : ما تغني عنهم لا إله إلا الله ! وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة ; فأعرض عنه حذيفة ; ثم رددها ثلاثا ، كل ذلك يعرض عنه حذيفة . ثم أقبل عليه حذيفة فقال : يا صلة ! تنجيهم من النار ، ثلاثا . خرجه ابن ماجه في السنن. ا.هـ
اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء همومنا.

عَلَى بَصيرةٍ ... محمد متولي الشعراوي رحمه الله

أي: قل يا محمد هذا هو منهجي. والسبيل كما نعلم هو الطريق، وقوله الحق: ﴿  قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَة أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي ﴾ [يوسف: 108]

يدل على أن كلمة السبيل تأتي مرة مُؤنَّثة، كما في هذه الآية، وتأتي مرة مُذكَّرة؛ كما في قوله الحق:
{  وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً... }
[الأعراف: 146]

وأعْلِنْ يا محمد أن هذه الدعوة التي جِئْتَ بها هي للإيمان بالله الواحد؛ وسبحانه لا ينتفع بالمنهج الذي نزل عليك لِيُطبِّقه العباد، بل فيه صلاح حياتهم، وسبحانه هو الله؛ فهو الأول قبل كل شيء بلا بداية، والباقي بعد كل موجود بلا نهاية؛ ومع خَلْق الخَلْق الذين آمنوا هو الله؛ وإن كفروا جميعاً هو الله، والمسألة التكليفية بالمنهج عائدة إليكم أنتم، فمَنْ شاء فَلْيؤمن، ومَنْ شاء فَلْيكفر.

ولنقرأ قول الحق:
{  إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ }
[الانشقاق: 1-2]

فهي تنشقُّ فَوْرَ سماعها لأمر الله، وتأتي لحظة الحساب.

وقوله الحق: { قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ... } [يوسف: 108]

أي: أدعو بالطريق المُوصِّل إلى الله إيماناً به وتَقبُّلاً لمنهجه، وطلباً لما عنده من جزاء الآخرة؛ وأنا على بصيرة مما أدعو إليه.

والبصر ـ كما نعلم ـ للمُحسَّات، والبصيرة للمعنويات.

والبصر الحسيُّ لا يُؤدِّي نفس عمل البصيرة؛ لأن البصيرة هي يقينٌ مصحوب بنور يُقنِع النفس البشرية، وإنْ لم تَكُنْ الأمور الظاهرة مُلجئة إلى الإقناع.

ومثال هذا: أم موسى حين أوحى الله لها أن تقذف ابنها في اليَمِّ، ولو قاسَتْ هي هذا الأمر بعقلها لما قَبِلَتْه، لكنها بالبصيرة قَبِلَتْه؛ لأنه وارد من الله لا مُعانِدَ له من النفس البشرية.

فالبصيرة إذن: هي يقين ونور مبني على برهان من القلب؛ فيطيعه العبد طاعة بتفويض، ويُقال: إن الإيمان طاعة بصيرة.

ويمكن أن نقرأ قوله الحق: { قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ... } [يوسف: 108]

وهنا جملة كاملة؛ ونقرأ بعدها: { أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي... } [يوسف: 108]

أو نقرأها كاملة: { قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [يوسف: 108]

وقول الحق: { وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ... } [يوسف: 108]

أي: أنه سبحانه مُنزَّه تنزيهاً مطلقاً في الذات، فلا ذاتَ تُشبِهه؛ فذاته ليست محصورة في القالب المادي مثلك، والمنفوخة فيه الروح، وسبحانه مُنزَّه تنزيهاً مُطْلقاً في الأفعال، فلا فعلَ يشبه فِعله؛ وكذلك صفاته ليست كصفات البشر، فحين تعلم أن الله يسمع ويرى، فخُذْ ذلك في نطاق:
{  لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ... }
[الشورى: 11]

وكذلك وجوده سبحانه ليس كوجودك؛ لأن وجوده وجود واجد أزليّ، وأنت حَدَثٌ طارئ على الكون الذي خلقه سبحانه.

ولذلك قاس بعض الناس رحلة الإسراء والمعراج على قدرة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولم ينتبهوا إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لقد أُسري بي ".

ونزل قول الحق سبحانه:
{  سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَى ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ }
[الإسراء: 1]

وهكذا تعلم أن الفعل لم يكن بقوة محمد صلى الله عليه وسلم؛ ولكن بقوة من خلق الكون كله، القادر على كل شيء، والذي لا يمكن لمؤمن حق أن يشرك به، أمام هذا البرهان. ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك:

{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً... }

08‏/02‏/2015

إضاءات لأهل الثغور - الشيخ عبد العزيز الطريفي


🌹1- عليكم بالاجتماع، فإن لم تجتمعوا على كمالٍ في الحق فلا تتفرقوا بسبب نقص بعضكم، لا تفرقكم بدعة ومعصية فإنكم تقابلون كفرًا، فقد اجتمع المسلمون على قتال العبيديين وقائدهم خارجي، وقاتل ابن تيمية التتار ومعه أهل بدع.

🌹2- بالفرقة تُهزم الكثرة، وبالاجتماع تنصر القلة، ولن تنتصروا حتى تقتلوا هوى النفس قبل قتل العدو، فالهوى يقلب موازين العداوات فتنتصر النفوس لهواها وتظن أنها تنتصر لربها، وقليل الذنوب يُفرق القلوب، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم) لم يمتثلوا باستواء صفوف الصلاة فتسبب بانـحراف القلوب، فكيف بانـحراف صفوف الجهاد ولقاء العدو، فإن اختلفت القلوب فالتمسوا سبب ذلك في سوء الأعمال .

🌹3- إنكم في مقام اصطفاء ومقام ابتلاء، فمن أعلى مراتب الجنة جُعلت لمقاتلٍ قاتل لله، وأول مَن تُسَّعَر بهم النار مقاتل قاتل لهواه .

🌹4- إياكم وحب الاستئثار بالأمر وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من (الأثَرَة) فاجعلوا همّكم نصرة الدين لا صدارة حزب وجماعة .

🌹5- لا تخدعكم الألقاب فتوالوا لها وتعادوا عليها، فالله لا ينظر إلى ألويتكم وراياتكم وأسماء جماعاتكم، بل ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، لا تختصموا على اسمٍ فمهما بلغت أسماؤكم شرفاً فلن تكون أعظم شرفاً من كلمة (رسول الله) حيث محاها رسول الله بيده من صلح الحديبية عندما نازعه المشركون عليها وذلك حتى يُمضي الحق وصالح الأمة .

🌹6- لا يجوز لأحدٍ أن يجعل جماعته وحزبه قطبَ رحى الولاء والعداء، فلا يرى البيعة إلا له ولا يرى الإمارة إلا فيه، ومن رأى في نفسه ذلك من دون بقية المسلمين فهو من الذين قال الله فيهم (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء) قال ابن عباس لما قرأ هذه الآية: أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله.

🌹7- لا يصح فيكم اليوم وأنتم في قتال وجماعات أن ينفرد أحدٌ ببيعة عامة يستأثر بها ولوازمها عن غيره وإنما هي بيعة جهاد وقتال وثبات وصبر وإصلاح ونـحو ذلك، ولا يصح من أحدٍ أن ينفرد بجماعة منكم فيُسمى (أمير المؤمنين) وإنما أمير الجيش أو الجند أو الغزو، فالولايات العامة مردّها إلى شورى المؤمنين لا إلى آحادٍ منهم، والألقاب استئثار تفضي إلى نزاع وقتال وفتنة وشر، وإنما صحت الولاية الكبرى من النبي صلى الله عليه وسلم لأنه ليس في الأرض مسلم سواه ومن معه، وليس في الأرض خير من نبي ولا أحق بالأمر منه، فلو استأثر فهو نبي لا يرجع لأحدٍ ويرجع إليه كل أحد .

🌹8- لا يضرب بعضكم رقاب بعضٍ، فاتقوا الله في دمائكم، واحذروا مداخل الشيطان في تسويغ القتل وتبريره فتأخذوا أحداً بظن العمالة أو التجسس أو التخذيل فالله حذر من الظنون التي تفسد أمر الأمة وتفرق شملها (اجتنبوا كثيرًا من الظن إن بعض الظن إثم) ولا تجوز طاعة أميرٍ في قتل مسلم معصوم ومن أُمر بحرام كقتل معصومٍ فلا تجوز طاعته ولا بيعته حتى بيعة قتال، ولو بايعه فبيعته منقوضة، ولا يجوز لأحدٍ أن يمتثل أمرًا ظاهره التحريم حتى يتيقن من جوازه بعلمٍ وإن جهل سأل من يعلم، حتى لا يلقى الله بدم أو مال حرام، فيُفسد آخرته بجهل أو تأويل غيره، فالله يؤاخذ كل نفس بما كسبت (كل نفس بما كسبت رهينةٍ) ولا أعظم بعد الشرك من الدم الحرام .
فقد صح من حديث ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمّر خالد بن الوليد إلى جذيمة فدعاهم إلى الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا، صبأنا، فأمر خالد بقتل أسراهم، فقال ابن عمر: والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره، قال: فقدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا له صنيع خالد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ورفع يديه: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) مرتين .
فقد عصوا خالدًا لما اشتبه عليهم الأمر، وهذا في دماءِ من الأصل فيه الكفر فكيف بدم من الأصل فيه الإسلام ؟!

أثر متابعة إصدارات أهل الزيغ

🔺أَمُتهوّكونَ فيهم أيُّها المجاهِدون !؟ ❕

⚠أدرك أهل الضلال أهمية الإعلام وأثره في نفوس الناس وبالأخص العوام فكانت إصدارتهم الدورية عالية الدقة والجودة كأنها أفلام هوليودية يجيد فيها كل ممثل دوره فلا أخطاء فيها ولا عثرات!
فانتشرت أفلامهم وإصداراتهم ، وكثير من الناس بات يرقب أحدث إصداراتهم مع مخالفته لمنهجهم وبغضه لهم ولمناهجهم النحرفة ،
فكان لا بد من تذكير الأحبة - ممن هوي مشاهدة إصداراتهم أو سماع أناشيدهم  -  بهدي السلف رضي الله عنهم وتحذيرهم لسماع أهل البدعة والضلالة ..
فأخطر  نتائج مشاهدة زورهم أنها تزرع في النفوس الحيرة ، فهم حيناً يقتلون من الروافض وأعداء الله وأحايينَ تجري سيوفهم في رقاب أهل السنة ! وحيناً تمر أرتال النصيرية في مناطق احتلالهم ، وحيناً يستولون على المطارات والفرق العسكرية...
⚠ هذه الحيرة هي التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم حين أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه  بكتابٍ أصابهُ من بعض أهلِ الكتب، فقرأهُ على النبي صلى الله عليه وسلم فغضب، وقال: " أَمُتَهَوِّكُونَ فيها يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيدهِ، لقد جئتكم بها بيضاءَ نقيةً ، لا تسألوهم عن شيءٍ فيخبروكم بحقٍّ فتكذِّبُوا به، أو بباطلٍ فتُصدِّقُوا به، والذي نفسي بيده، لو أن موسى كان حيّاً ما وسعه إلا أن يتَّبعني " رواه الإمام أحمد
( رجل هوّاك ومتهوّك : متحير . و التهوّك : السقوط في هوة الردى . وروي في الحديث : أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى ؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية "  قال أبو عبيدة : معناه أمتحيرون أنتم في الإسلام حتى تأخذوه من اليهود ؟
 الجوهري :  التهوك مثل التهور ، وهو الوقوع في الشيء بقلة مبالاة وغير روية . والتهوك : التحير
 ابن الأعرابي :  وهاكاه إذا استصغر عقله . وفي الحديث من طريق آخر  : أن عمر أتاه بصحيفة أخذها من بعض أهل الكتاب فغضب ، وقال : أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب ؟ ) انتهى بتصرف  لسان العرب لابن منظور
✔فهذا في أهل الكتاب وأما في أهل البدع فليس مجالستهم والأخذ عنهم و السماع لكلامهم بأهون من السماع والأخذ عن أهل الكتاب
قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله  " وكان السلف ينهون عن مجالسة أهل البدع والنظر في كتبهم والاستماع لكلامهم "
✔وقال الإمام البربهاري - رحمه الله - في شرح السنة
 وإذا رأيت الرجل جالساً مع رجل من أهل الأهواء فحذّره وعرّفه، فإن جلس معه بعد ما علم فاتقه ؛ فإنه صاحب هوى .

✔قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن أهل البدع : " ويجب عقوبة كل من انتسب إليهم أو ذبّ عنهم ، وأثنى عليهم ، أو عظّم كتبهم ، أو عُرف بمساعدتهم ، أو كره الكلام فيهم ، أو أخذ يعتذر لهم بأن هذا الكلام لايُدرى ما هو ؟ أو قال : إنه صنف هذا الكتاب ... وأمثال هذه المعاذير التي لا يقولها إلا جاهل أو منافق بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم ولم يعاون على القيام عليهم ، فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات لأنهم أفسدوا العقول والأديان ... " ا.هـ المجموع
✔وتأمل – بالله عليك أخي – كلام الإمام الشاطبي رحمه الله  : ( حين تكون الفرقة تدعو إلى ضلالتها وتزينها في قلوب العوام ومن لا علم عنده، فإن ضرر هؤلاء على المسلمين كضرر إبليس، وهم من شياطين الإنس، فلا بد من التصريح بأنهم من أهل البدع والضلالة، ونسبتهم إلى الفرق إذا قامت الشهود على أنهم منهم. فمثل هؤلاء لا بد من ذكرهم والتشريد بهم، لأن ما يعود على المسلمين من ضررهم إذا تركوا أعظم من الضرر الحاصل بذكرهم والتنفير عنهم إذا كان سبب ترك التعيين الخوف من التفرق والعداوة، ولا شك أن التفرق بين المسلمين وبين الداعين للبدعة وحدهم إذا أقيم عليهم أسهل من التفرق بين المسلمين وبين الداعين ومن شايعهم واتبعهم، وإذا تعارض الضرران، فالمرتكب أخفهما وأسهلهما، وبعض الشر أهون من جميعه كقطع اليد المتآكلة  إتلافها أسهل من إتلاف النفس، وهذا شأن الشرع أبدا، يطرح حكم الأخف وقاية من الأثقل... ) تدبر هذا الكلام الرائع من الشاطبي وانظر إلى من حولك ممن يفضل السكوت عن المبتدعة الضالين فضلاً عمن يتابع ضلالهم ويدافع عنهم أو يبرر لهم !

نبيُّ الرّحمة .. صور من حِلم النبيّ صلى الله عليه وسلم

نبيُّ الرّحمة .. صورٌ من حِلْمِ النبي صلى الله عليه وسلم
1- اذهبوا فأنتم الطلقاء:

لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة جمع قريشًا فقال لهم: "يا معشر قريش، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظُّمها بالآباء، الناس من آدم وآدم من تراب"، ثم تلا هذه الآية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] الآية كلها. ثم قال: "يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل فيكم؟" قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم. قال "اذهبوا فأنتم الطلقاء"
ابن هشام: السيرة النبوية 2/411، وابن القيم: زاد المعاد 3/356

2- جذبه أعرابي فأمر له بعطاء!

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم وعليه بُردٌ نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجذبه جذبة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم قد أثَّرت به حاشية الرداء من شدة جذبته، ثم قال: مُرْ لي من مال الله الذي عندك. فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم فضحك، ثم أمر له بعطاء
[ البخاري: كتاب الخمس، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطى المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه. ].

3- يدعو بالهداية لمن آذاه:

عن عبد الله بن عبيد قال: لما كسرت رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشُجَّ في جبهته، فجعلت الدماء تسيل على وجهه، قيل: يا رسول الله، ادعُ الله عليهم. فقال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَبْعَثْنِي طَعَانًا وَلا لَعَّانًا، وَلَكِن بَعَثَنَي دَاعِية وَرَحْمَة، اللهُمَّ اغْفِر لِقَومِي فَإنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ" [ البخاري ومسلم ].
وعندما عَصَتْ قبيلةُ دوسٍ في بداية أمرها أَمَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو هريرة رضي الله عنه: قدم طفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، إن دوسًا عصت وأبت، فادعُ الله عليها. فقيل: هلكت دوس! قال: "اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ"[ البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب الدعاء للمشركين بالهداية ليتألفهم . ومسلم ].

4- من يمنعك مني؟

يروي جابر بن عبد الله، يقول: قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏مُحَارِبَ ‏خَصَفَةَ - ابن قيس بن غيلان -  ‏بِنَخْلٍ، ‏فَرَأَوْا مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏ ‏غِرَّةً؛ ‏فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ:‏ ‏غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ‏ ‏حَتَّى قَامَ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ ‏صلى الله عليه وسلم ‏بِالسَّيْفِ، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟

قَالَ: "اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ".

فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ ‏صلى الله عليه وسلم ‏فَقَالَ: "مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟"

قَالَ: كُنْ كَخَيْرِ آخِذٍ.

قَالَ: "أَتَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؟"

قَالَ: لا، وَلَكِنِّي أُعَاهِدُكَ أَنْ لاَ أُقَاتِلَكَ، وَلاَ أَكُونَ مَعَ قَوْمٍ يُقَاتِلُونَكَ. فَخَلَّى سَبِيلَهُ. قَالَ: فَذَهَبَ إِلَى أَصْحَابِهِ، قَالَ: قَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ"
[ البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة ذات الرقاع ، ومسلم: كتاب الفضائل، باب توكله على الله تعالى وعصمة الله تعالى له من الناس ]

5- دعوهم يكن لهم بدء الفجور ‏وثِنَاهُ :

يقول سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: "... ثُمَّ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ رَاسَلُونَا الصُّلْحَ حَتَّى مَشَى بَعْضُنَا فِي بَعْضٍ وَاصْطَلَحْنَا. قَالَ: وَكُنْتُ ‏ ‏تَبِيعًا ‏لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ‏أَسْقِي فَرَسَهُ وَأَحُسُّهُ وَأَخْدِمُهُ وَآكُلُ مِنْ طَعَامِهِ، وَتَرَكْتُ أَهْلِي وَمَالِي مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ‏صلى الله عليه وسلم. ‏قَالَ: فَلَمَّا اصْطَلَحْنَا نَحْنُ وَأَهْلُ ‏مَكَّةَ ‏وَاخْتَلَطَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ، أَتَيْتُ شَجَرَةً ‏فَكَسَحْتُ ‏‏شَوْكَهَا فَاضْطَجَعْتُ فِي أَصْلِهَا. قَالَ: فَأَتَانِي أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ ‏مَكَّةَ‏ ‏فَجَعَلُوا يَقَعُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ ‏صلى الله عليه وسلم ‏فَأَبْغَضْتُهُمْ، فَتَحَوَّلْتُ إِلَى شَجَرَةٍ أُخْرَى وَعَلَّقُوا سِلاَحَهُمْ وَاضْطَجَعُوا، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَادَى مُنَادٍ مِنْ أَسْفَلِ الْوَادِي: يَا ‏لِلْمُهَاجِرِينَ! ‏‏قُتِلَ ‏ابْنُ زُنَيْمٍ.

‏‏قَالَ: فَاخْتَرَطْتُ سَيْفِي ثُمَّ ‏‏شَدَدْتُ‏ ‏عَلَى أُولَئِكَ الأَرْبَعَةِ وَهُمْ رُقُودٌ، فَأَخَذْتُ سِلاَحَهُمْ فَجَعَلْتُهُ ‏ضِغْثًا[أي حزمةً] ‏فِي يَدِي. قَالَ: ثُمَّ قُلْتُ: وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ ‏ ‏مُحَمَّدٍ‏ ‏لاَ يَرْفَعُ أَحَدٌ مِنْكُمْ رَأْسَهُ إِلاَّ ضَرَبْتُ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاهُ.

قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ بِهِمْ أَسُوقُهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ‏صلى الله عليه وسلم. ‏قَالَ: وَجَاءَ عَمِّي ‏عَامِرٌ - بن سنان الأنصاري -  ‏بِرَجُلٍ مِنَ ‏ ‏الْعَبَلاَتِ[من قريش]‏ ‏يُقَالُ لَهُ: ‏‏مِكْرَزٌ ‏يَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ‏صلى الله عليه وسلم ‏عَلَى فَرَسٍ‏ ‏مُجَفَّفٍ[ أي عليه ثوب ] ‏فِي سَبْعِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏فَقَالَ: "دَعُوهُمْ يَكُنْ لَهُمْ بَدْءُ الْفُجُورِ ‏وَثِنَاهُ". ‏‏فَعَفَا عَنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم" رواه مسلم
وثناه يعني عودة ثانية

6- أعطوه سنا مثل سنه:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً تقاضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَأَغْلَظَ، فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالاً"، ثُمَّ قَالَ: "أَعْطُوهُ سِنًّا مِثْلَ سِنِّهِ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِلاَّ أَمْثَلَ مِنْ سِنِّهِ. فَقَالَ: "أَعْطُوهُ؛ فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ قَضَاءً"[البخاري ومسلم ].

7- لا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما:

قال زيد بن سعنة -وكان من أحبار اليهود قبل أن يسلم-: إنه لم يبق من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه، إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حِلمًا، فكنت أتلطف له لأنْ أخالطه فأعرف حلمه وجهله.

قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجرات، ومعه علي بن أبي طالب، فأتاه رجل على راحلته كالبدويِّ، فقال: يا رسول الله، قرية بني فلان قد أسلموا ودخلوا في الإسلام، وكنت أخبرتهم أنهم إن أسلموا أتاهم الرزق رغدًا، وقد أصابهم شدة وقحط من الغيث، وأنا أخشى -يا رسول الله- أن يخرجوا من الإسلام طمعًا كما دخلوا فيه طمعًا، فإن رأيت أن تُرسِل إليهم من يُغيثهم به فعلت. قال: فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل جانبه -أراه عمر- فقال: ما بقي منه شيء يا رسول الله.

قال زيد بن سعنة: فدنوت إليه، فقلت له: يا محمد، هل لك أن تبيعني تمرًا معلومًا من حائط بني فلان إلى أجل كذا وكذا؟ فقال: "لاَ يَا يَهُودِيُّ، وَلَكِن أَبِيعُكَ تَمْرًا مَعْلُومًا إِلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا، وَلا أُسَمِّي حَائِطَ بَنِي فُلانٍ". قلت: نعم. فبايَعَنِي صلى الله عليه وسلم، فأطلقت همياني
[ الهميان: كيس للنفقة يشد في الوسط ]
 فأعطيته ثمانين مثقالاً من ذهب في تمر معلوم إلى أجل كذا وكذا، قال: فأعطاها الرجل وقال: "اعْجَلْ عَلَيْهِمْ وأَغِثْهُمْ بِهَا".

قال زيد بن سعنة: فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، ونفر من أصحابه، فلما صلَّى على الجنازة دنا من جدار فجلس إليه، فأخذت بمجامع قميصه، ونظرت إليه بوجهٍ غليظ، ثم قلت: ألا تقضيني يا محمد حقي؟ فوالله ما علمتكم بني عبد المطلب بمَطْلٍ، ولقد كان لي بمخالطتكم علم!!

قال: ونظرتُ إلى عمر بن الخطاب وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره وقال: أيْ عدو الله! أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع، وتفعل به ما أرى؟! فوالذي بعثه بالحق، لولا ما أحاذر قوته لضربت بسيفي هذا عنقك. ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر في سكونٍ وتؤدة، ثم قال: "إِنَّا كُنَّا أَحْوَجَ إِلَى غَيْرِ هَذَا مِنْكَ يَا عُمَرُ ، أَنْ تَأْمُرَنِي بِحُسْنِ الأَدَاءِ ، وَتَأْمُرَهُ بِحُسْنِ التِّبَاعَةِ ، اذْهَبْ بِهِ يَا عُمَرُ فَاقْضِهِ حَقَّهُ ، وَزِدْهُ عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ غَيْرِهِ مَكَانَ مَا رُعْتَهُ".

قال زيد: فذهب بي عمر فقضاني حقي، وزادني عشرين صاعًا من تمر. فقلت: ما هذه الزيادة؟ قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أزيدك مكان ما رُعْتُكَ. فقلت: أتعرفني يا عمر؟ قال: لا، فمن أنت؟ قلت: أنا زيد بن سعنة. قال: الحَبْر؟ قلت: نعم، الحبر. قال: فما دعاك أن تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قلت، وتفعل به ما فعلت؟

فقلت: يا عمر، كل علامات النبوة قد عرفتُها في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أختبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا، فقد اختبرتهما، فأُشهدك -يا عمر- أني قد رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا، وأشهدك أن شطر مالي -فإني أكثرها مالاً- صدقة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

فقال عمر: أوْ على بعضهم؛ فإنك لا تسعهم كلهم. قلت: أو على بعضهم. فرجع عمر وزيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال زيد: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم"[ ابن حبان والحاكم، والبيهقي ]


07‏/02‏/2015

من روائع ابن القيم

((من أعجب الأشياء أن تعرفه؛ ثم لا تحبه وأن تسمع داعيه ثم تتأخر عن الإجابة، وأن تعرف قدر الربح في معاملته، ثم تعامل غيره، وان تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له، وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته، ثم لا تطلب الأنس بطاعته، وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه والحديث عنه، ثم لا تشتاق إلى انشراح الصدر بذكره ومناجاته، وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره ولا تهرب منه إلى نعيم الإقبال عليه والإنابة إليه، وأعجب من هذا علمك أنك لابد لك منه وأنك أحوج شيء إليه وأنت عنه معرض وفيما يبعدك عنه راغب )). 
ابن القيم رحمه الله ( 751 هـ ) 

06‏/02‏/2015

على بصيرة ..

المطلوب إذن هو أن نحرك المسلمين ونحثهم على الدعوة ، وأنه يجب عليهم أن يكلموا الآخرين عن دينهم . وبدون التكلم لا تستطيع عرض بضاعتك ، وأنك لا تستطيع عرض أفكارك دون أن تفتح فاك .


​. إن هذا هو عيب المسلمين ، هذا ما ينقصهم 

 إنهم لا يعملون للدعوة لدينهم بين الآخرين ، والسبب : أن الإمام فوق المنبر لم يدعهم لذلك , والمطلوب إذن أن يطلب إليهم ذلك من فوق المنبر ، وأن يقال لهم : إن الدعوة هي مسئولية المسلمين ، وإن الله سيحاسب المسلمين عن ذلك يوم القيامة ، ويواجههم بالسؤال : " هل بلَّغتم رسالتي ؟ " , ولا يُعقل أن يقولوا : لا ، لأننا كنا في شغل عن ذلك , بل الواجب أن نعمل ونقول : لقد حاولنا قدر استطاعتنا وجهدنا

وإن ذلك لن يتحقق إلاَّ إذا طُلب من فوق المنبر ، باعتبار أن للمنبر سلطته وتأثيره ، ففي خطبة الجمعة عادة تُحدد لنا واجباتنا ومسئولياتنا ، ولكن فيما يتعلق بالدعوة لا تسمع شيئاً . لذلك فإني أعتقد أن على المسلمين واجب النهوض بالدعوة ، وأن يقدموا الإسلام إلى الآخرين حتى يتحقق في النهاية وعد الله تعالى : « لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً » حين يسود الإسلام ويعم العالم كله 

الإمام أحمد ديدات رحمه الله.

من فضائل الجهاد في سبيل الله


أولاً : أن الروحة في سبيل الله خير من الدنيا:


قال رسول الله " لغدوة في سبيل الله أو روحة خير
من الدنيا وما فيها " . متفق عليه
ثانياً : أن المجاهد أفضل الناس
أتى رجل رسول الله ، فقال يا رسول الله : أي الناس
أفضل ؟ قال " مؤمن يجـــاهد بــنــفسه وماله في
سبيل الله " . متفق عليه 

 
ثالثا : الجهاد لا يعدله شيء:


قال رسول الله " مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم
القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صيام ولا صلاة حتى يرجع
المجاهد في سبيل الله " . متفق عليه

 
رابعاً : للمجاهدين مائة درجة:


قال رسول الله " إن في الجنة مائة درجة أعدها الله
للمجاهدين في سبيل الله " . متفق عليه

 
خامسا : الجهاد سبب للنجاة من النار:


قال رسول الله " ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه
النار " . رواه البخاري 

 
سادسا : الجهاد ذروة سنام الإسلام:

 قال رسول الله " رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة
سنامه الجهاد في سبيل الله " . رواه الترمذي

 
سابعاً : فضل الحراسة في سبيل الله:


عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه و سلم- قال: "تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش، طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع" رواه البخاري
 
ثامناً : عدم تمني لقاء العدو ، والثبات حين اللقاء:


عن عبد الله بن أبى أوفى قال: إن رسول الله - صلى الله عليه و سلم- في بعض أيامه التي لقي فيها العدو انتظر حتى إذا مالت الشمس ثم قام في الناس فقال: "يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف. ثم قال: اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم" رواه البخاري ومسلم

 
تاسعاً : ترك الجهاد من شعب النفاق:


عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه و سلم-: "من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق" رواه مسلم

 
عاشراً : بيع النفس والمال لله في الجهاد من أسباب دخول الجنة:


قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ)
تمنى النبي صلى الله عليه وسلم الشهادة في سبيل الله فقال ( والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل ، ثم أغزو فأقتل ، ثم أغزو فأقتل  ) رواه البخاري وغيره
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يدعو [ اللهم ارزقني شهادة في سبيلك ]..

04‏/02‏/2015

من روائع قصص مصارع العشاق لابن النحّاس

قَبِلَ المهرَ وزُفّت العروس

* روي أنه كان في البصرة نساء عابدات، و كانت منهن أم إبراهيم الهاشمية، فأغار العدو على ثغر من ثغور المسلمين، فانتدب الناس للجهاد، فقام عبد الواحد بن زيد البصري في الناس خطيبا، فحظهم على الجهاد
 ، و كانت أم إبراهيم هذه حاضرة في مجلسه، و تمادى عبد الواحد في كلامه، ثم وصف حور العين و ذكر ما قيل فيهن، و أنشد في وصف حوراء:

غادة ذات دلال و مرح *** يجد الناعت فيها ما اقترح
خلقت من كل شيء حسن *** طيب، فالليت فيها مطرح
زانها الله بوجه جمعت *** فيه أوصاف غريبات الملح
و بعين كحلها من غنجها *** و بخد مسكه فيه رشح
ناعم تجري على صفحته *** نضرة الملك و لألاء الفرح

فماج الناس بعضهم في بعض، و اضطرب المجلس، فوثبت أم إبراهيم من وسط الناس، وقالت لعبد الواحد: "يا أبا عبيد، ألست تعرف ولدي إبراهيم، و رؤساء أهل البصرة يخطبونه على بناتهم، و أنا أضن به عليهم، فقد و الله أعجبتني هذه الجارية، و أنا أرضاها عروسا لولدي، فكرر ما ذكرت من حسنها و جمالها "..

فأخذ عبد الواحد في وصف الحوراء، ثم أنشد: 

تولد نور النور من نور وجهها *** فمازج طيب الطيب من خالص العطر
فلو وطئت بالنعل منها على الحصى *** لأعشبت الأقطار من غير ما قطر
و لو شئت عقد الخصر منها عقدته *** كغصن من الريحان ذي ورق خضر
و لو تفلت في البحر شهد رضابها *** لطاب لأهل البر شرب من البحر

فاضطرب الناس أكثر، فوثبت أم إبراهيم، و قالت لعبد الواحد: "يا أبا عبيد، قد و الله أعجبتني هذه الجارية و أنا أرضاها عروسا لولدي، فهل لك أن تزوجه منها، و تأخذ مني مهرها عشرة آلاف دينار، و يخرج معك في هذه الغزوة ، فلعل الله يرزقه الشهادة
 ، فيكون شفيعا لي و لأبيه يوم القيامة
 ؟ ".. 

فقال لها عبد الواحد: "لئن فعلت، لتفوزن أنت و ولدك و أبو ولدك فوزا عظيما". فنادت ولدها: "يا إبراهيم"، فوثب من وسط الناس، و قال لها: "لبيك يا أماه"، قالت: "أي بني، أرضيت بهذه الجارية زوجة لك، ببذل مهجتك في سبيل الله، و ترك العود من الذنوب
 ؟ "

فقال الفتى: "إي و الله يا أماه .. رضيت أي رضى"، فقالت: "اللهم إني أشهدك أني زوجت ولدي بهذه الجارية، ببذل مهجته في سبيلك، و ترك العود في الذنوب، فتقبله مني يا أرحم الراحمين". 

ثم انصرفت، فجاءت بعشرة آلاف دينار، و قالت: "يا أبا عبيد، هذا مهر الجارية تجهز به و جهز الغزاة في سبيل الله"، و انصرفت فاشترت لولدها فرسا جيدا و استجادت له سلاحا، فلما خرج إبراهيم يعدو و القراء حوله يقرءون: " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة "، فلما أرادت أم إبراهيم فراق ولدها، دفعت إليه كفنا و حنوطا، و قالت له: أي بني، إذا أردت لقاء العدو فتكفن بهذا الكفن، و تحنط بهذا الحنوط، و إياك أن يراك الله مقصرا في سبيله، ثم ضمته إلى صدرها و قبلت ما بين عينيه و قالت: يا بني، لا جمع الله بيني و بينك إلا بين يديه في عرصات يوم القيامة
 !! 

قال عبد الواحد: فلما بلغنا بلاد العدو، و برز الناس للقتال، برز إبراهيم في المقدمة فقتل من العدو خلقا كثيرا، ثم اجتمعوا عليه فقتلوه .. 

فلما أردنا الرجوع إلى البصرة، قلت لأصحابي: "لا تخبروا أم إبراهيم بخبر ولدها حتى ألقاها بحسن العزاء، لئلا تجزع فيذهب أجرها" ..

قال فلما وصلنا البصرة خرج الناس يتلقوننا، و خرجت أم إبراهيم فيمن خرج، فلما أبصرتني قالت: "يا أبا عبيد، هل قبلت مني هديتي فأهنأ، أم ردت علي فأعزى" .. فقلت لها: "قد قبلت و الله هديتك، إن إبراهيم حي مع الشهداء
 - إن شاء الله - "، فخرت ساجدة لله شكرا، و قالت:" الحمد لله الذي لم يخيب ظني، وتقبل نسكي مني ".. و انصرفت .. 

فلما كان من الغد أتت المسجد، فقالت: "السلام عليك يا أبا عبيد، بشراك..بشراك"، فقال: "لا زلت مبشرة بخير"، فقالت: "رأيت البارحة ولدي إبراهيم في روضة حسناء، و عليه جبة خضراء، و هو على سرير من لؤلؤ، و على رأسه إكليل، و هو يقول لي: 

"يا أماه .. أبشري ..
فقد قبل المهر ..
و زفت العروس "

أنا الضحوك القتاّل !

 ❌ أنا الضحوك القتّال 
 لم يرد في شيء من كتب السنة المعتبرة ، مع شهرته على الألسن وذكر كثير من أهل العلم في كتبهم كالطبري في تفسيره و ابن تيمية في بعض كتبه وابن كثير كذلك في تفسيره..
ويبدو أن هذا الوصف كان بعض السلف ينقله كوصفٍ للنبي صلى الله عليه وسلم في التوراة 
وعموما فلم يصح بأي حال ، هذا سنداً ، والظاهر أيضاً عدم مناسبته وصفاً للنبي صلى الله عليه وسلم فالضحوك صفة مبالغة من الضحك و لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم الإكثار من الضحك، ولم يكن يبالغ فيه ، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( يا أبا هريرة : ... أقلّ الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب ) رواه ابن ماجه ، وورد في صفة ضحكه صلى الله عليه وسلم أن جلّه كان تبسماً 
وكذلك صفة القتل ، فإنّ القتّال صفة مبالغة من القاتل والنبي صلى الله عليه وسلم لم يرد أنه قتل رجلا بيده سوى أبيّ بن خلف 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : والنبي صلى الله عليه و سلم كان أكمل الناس في هذه الشجاعة التي هي المقصودة في أئمة الحرب ولم يقتل بيده إلا أبي بن خلف قتله يوم أحد ولم يقتل بيده أحدا لأ قبلها ولا بعدها.  انتهى(  منهاج السنة النبوية )
الخلاصة أن الضحوك القتّال لا يصحّ ، لا سنداً ولا معنى وذِكرُ الأئمة لهذا الأثر لا يغيّرُ شيئاً من حاله والله أعلم.

سلامة الصدر

أروع اﻷمثلة في سلامة الصدر
✔ كان طلحة بن عبدالرحمن بن عوف أجود قريش في زمانه فقالت له امرأته يوماً : ما رأيتُ قوماً أشدّ لؤْماً من إخوانك ، قال : ولم ذلك ؟ قالت : أراهم إذا اغتنيتَ لزِمُوك ، وإِذا افتقرتَ تركوك !
 فقال لها : هذا والله من كرمِ أخلا‌قِهم ! يأتوننا في حال قُدرتنا على إكرامهم .. ويتركوننا في حال عجزنا عن القيام بِحقهم ".

✔ علّق على هذه القصة الإ‌مام الماوردي رحمه الله فقال :
" انظر كيف تأوّل بكرمه هذا التأويل حتى جعل قبيح فِعلهم حسنا ، وظاهر غدرِهم وفاءا ... وهذا والله يدلّ على أن سلا‌مة الصدر راحةٌ في الدنيا وغنيمةٌ في الآ‌خرة وهي من أسباب دخول الجنة ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ﴾ .

 أدب الدّنيا والدّين ص ١٨٠

03‏/02‏/2015

منهج الموازنات

وإذا الحبيبُ أتى بذنبٍ واحدٍ       جاءتْ محاسِنهُ بألفِ شفيع

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى مقرراً منهجاً رائعاً في تقييم الناس والحكم عليهم : 
✔ من قواعد الشرع والحكمة أيضاً أنّ من كثرت حسناته وعظمت
 وكان له في الإسلام تأثيرٌ ظاهرٌ فإنه يحتمل له ما لا يحتمل لغيره ، ويعفى عنه ما لا يعفى عن غيره .. 
✔ فإنّ المعصية خبث والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث بخلاف الماء القليل فإنه يحمل ، ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر : ( وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) .. 
✔ وهذا هو المانع له صلى الله عليه وسلم من قتل من حس عليه - أي تجسس -  وعلى المسلمين وارتكب مثل ذلك الذنب العظيم ، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه شهد بدراً ، فدل على أن مقتضى عقوبته قائم لكن منع من ترتب أثره عليه ما له من المشهد العظيم ، فتلك السقطة العظيمة مغتفرة في جنب ما له من الحسنات . 
✔ ولما حض النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة فأخرج عثمان رضي الله عنه تلك الصدقة العظيمة قال : ( ما ضرَّ عثمان ما عمل بعدها ) .. 
✔ وهذا موسى كليم الرحمن عز وجل ألقى الألواح التي فيها كلام الله الذي كتبه له ، ألقاها على الأرض حتى تكسرت .. ولطم عين ملك الموت ففقأها ، وعاتب ربه ليلة الإسراء في النبي صلى الله عليه وسلم وقال : شابٌّ بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي .. 
وأخذ بلحية هارون وجره إليه وهو نبي الله .. وكل هذا لم ينقص من قدره شيئاً عند ربه ، وربه تعالى يكرمه ويحبه فإن الأمر الذي قام به موسى والعدو الذي برز له والصبر الذي صبره ، الأذى الذي أوذيه في الله أمر لا تؤثر فيه أمثال هذه الأمور ولا تغير في وجهه ولا تخفض منزلته .. 
✔ وهذا أمرٌ معلوم عند الناس مستقرٌّ في نظرهم أنّ من له ألوفٌ من الحسنات فإنه يُسامح بالسيئة والسيئتين ونحوها حتى إنه ليختلج داعي عقوبته على إساءته وداعي شكره على إحسانه فيغلب داعي الشكر لداعي العقوبة كما قيل :
وإذا الحـبيبُ أتـى بذنـبٍ واحـدٍ       جاءتْ محاسنهُ بألفِ شفيعِ  
وقــال آخر : 
فإن يكن الفعل الذي ساء واحداً       فأفعاله اللاتي سررن كثير
✔ والله سبحانه يوازن يوم القيامة بين حسنات العبد وسيئاته فأيهما غلب كان التأثير له فيفعل بأهل الحسنات الكثيرة الذين آثروا محابه ومراضيه وغلبتهم دواعي طبعهم أحياناً من العفو والمسامحة مالا يفعله مع غيرهم .. } 

مفتاح دار السعادة (1/176-177)

01‏/02‏/2015

❌ هل المسافر أولى بالإمامة من المقيم ؟!
انتشر بين كثير من الأخوة هذه الجملة " أنت تقصر الصلاة أنت أولى بالإمامة "
وحقيقة لم أجد هذه العبارة في كتب الفقه
بل منهم من لم يفرق بينهما البتة كابن حزم الظاهري رحمه الله ( 456 هـ )  ، قال في المحلى :
" ... وإمامة كل واحد منهما للآخر جائزة ولا فرق "  5/518
ومنهم من اعتبر إمامة المقيم أولى من المسافر وهم - حسب تتبعي - الجمهور 
وبغض النظر عن الأولى بالإمامة مطلقاً ( الأفقه أم الأقرأ ) وكذلك بغض النظر عن وجود السلطان أو صاحب المكان أو الإمام الراتب فهم أولى سواءٌ كانوا مقيمين أم مسافرين 
✔ كما قال الإمام الشافعي رحمه الله ( 204 هـ ) في الأم في تقديم الإمام " ذو السلطان " 
: وهكذا أُحبّ للإمام أن يصلي مسافراً أو مقيماً ولا يوكل غيره، ويأمر من وراءه من المقيمين أن يتموا، إلا أن يكونوا قد فقهوا فيكتفى بفقههم إن شاء الله تعالى.
وإذا اجتمع مسافرون ومقيمون فإن كان الوالي من أحد الفريقين صلى بهم مسافراً كان أو مقيماً، وإن كان مقيماً، فأقام غيره فصلى بهم فأحب إلي أن يأمر مقيماً ولا يولى الإمامة إلا من ليس له أن يقصر، فإن أمر مسافراً كره ذلك له إذا كان يصلي خلفه مقيم فإن لم يكن لهم والٍ فأحب إلي أن يؤمهم المقيم.. اهـ 1/194

✔ وذكر الإمام النووي رحمه الله ( 676 هـ ) في المجموع أن المقيم أولى من المسافر إذا لم يكن فيهم السلطان أو نائبه، فلو صلى المسافر بمقيم هل يكره أم لا، قولان، قال: والأصح عدم الكراهة لأنه لا يصح فيه نهي شرعي. اهـ 
✔ وقال أيضاً " وان اجتمع مسافر ومقيم فالمقيم أولي لانه إذا تقدم المقيم اتموا كلهم فلا يختلفون وإذا تقدم المسافر اختلفوا " المجموع 2_ 285
✔ قال ابن قدامة في المغني : 
والمقيم أولى من المسافر لأنه إذا كان إماما حصلت له الصلاة كلها في جماعة‏,‏ وإن أمه المسافر احتاج إلى إتمام الصلاة منفردا وإن ائتم بالمسافر جاز ويتم الصلاة بعد سلام إمامه فإن أتم المسافر الصلاة جازت صلاتهم....‏ ا.هـ .
وإتماماً للفائدة فإنّ المسافر إذا صلّى خلف المقيم يتمّ الصلاة ولا يقصر وهو قول جماهير أهل العلم 
يدلُّ عليه :
✔ حديث ابن مسعود فإنه استرجع لما علم بصلاة عثمان أربعًا بمنى ، ثم قال : صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنى ركعتين وصليت مع أبي بكر - رضي الله عنه - ركعتين ، وصليت مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ركعتين فليتَ حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان . متفق عليه ، وعند أبي داود رحمه الله : أن عبد الله بن مسعود صلى أربعًا . قال : فقيل له : عبتَ على عثمان، ثم صليتَ أربعًا؟! ، فقال رضي الله عنه : الخلاف شر .
 ✔ و حديث ابن عباس أنه سُئل : ما بال المسافر يصلي ركعتين إذا انفرد ، وأربعًا إذا ائْتَمَّ بمقيم فقال : ( تلك السنُّة ، وفي رواية: تلك سنة أبي القاسم ) رواه الإمام أحمد 
و معلوم أن قول الصحابي من السنة كذا له حكم الرفع فهو نص في المسألة والله أعلم . و الحمدُ للهِ ربِّ العَالمين.. 




ربما أعطاك فمنعك

من الحكم التي استوقفتني كثيرا 
"ربّما أعطاك فمنعك ، وربّما منعك فأعطاك ، وإذا كشف لك الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء." ابن عطاء الله.
المؤمن في الرخاء شكور وفي الضراء صبور، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (  عجَبا لأمر المؤمن! إنَّ أمْرَه كُلَّه له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابتْهُ سَرَّاءُ شكر، فكان خيراً له، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صَبَر، فكان خيراً له )  مسلم 
يتوهم مرضى القلب عطاء الله في الدنيا إكراما وحرمانه إهانة 
 ﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَن* وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾ الفجر
﴿ كَلَّا ﴾ ردع ونهي، عطاءه في الدنيا ليس إكراماً، و منعه ليس حرماناً... ﴿ كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴾ الإسراء
قال بعض العارفين :
 عطائي ابتلاء، وحرماني دواء (( إنَّ اللَّهَ لَيَحْمِي عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ مِنْ الدُّنْيَا وَهُوَ يُحِبُّهُ كَمَا تَحْمُون َمَرِيضَكُمْ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ )) الحاكم عن أبي سعيد الخدري.