03‏/02‏/2015

منهج الموازنات

وإذا الحبيبُ أتى بذنبٍ واحدٍ       جاءتْ محاسِنهُ بألفِ شفيع

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى مقرراً منهجاً رائعاً في تقييم الناس والحكم عليهم : 
✔ من قواعد الشرع والحكمة أيضاً أنّ من كثرت حسناته وعظمت
 وكان له في الإسلام تأثيرٌ ظاهرٌ فإنه يحتمل له ما لا يحتمل لغيره ، ويعفى عنه ما لا يعفى عن غيره .. 
✔ فإنّ المعصية خبث والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث بخلاف الماء القليل فإنه يحمل ، ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر : ( وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) .. 
✔ وهذا هو المانع له صلى الله عليه وسلم من قتل من حس عليه - أي تجسس -  وعلى المسلمين وارتكب مثل ذلك الذنب العظيم ، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه شهد بدراً ، فدل على أن مقتضى عقوبته قائم لكن منع من ترتب أثره عليه ما له من المشهد العظيم ، فتلك السقطة العظيمة مغتفرة في جنب ما له من الحسنات . 
✔ ولما حض النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة فأخرج عثمان رضي الله عنه تلك الصدقة العظيمة قال : ( ما ضرَّ عثمان ما عمل بعدها ) .. 
✔ وهذا موسى كليم الرحمن عز وجل ألقى الألواح التي فيها كلام الله الذي كتبه له ، ألقاها على الأرض حتى تكسرت .. ولطم عين ملك الموت ففقأها ، وعاتب ربه ليلة الإسراء في النبي صلى الله عليه وسلم وقال : شابٌّ بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي .. 
وأخذ بلحية هارون وجره إليه وهو نبي الله .. وكل هذا لم ينقص من قدره شيئاً عند ربه ، وربه تعالى يكرمه ويحبه فإن الأمر الذي قام به موسى والعدو الذي برز له والصبر الذي صبره ، الأذى الذي أوذيه في الله أمر لا تؤثر فيه أمثال هذه الأمور ولا تغير في وجهه ولا تخفض منزلته .. 
✔ وهذا أمرٌ معلوم عند الناس مستقرٌّ في نظرهم أنّ من له ألوفٌ من الحسنات فإنه يُسامح بالسيئة والسيئتين ونحوها حتى إنه ليختلج داعي عقوبته على إساءته وداعي شكره على إحسانه فيغلب داعي الشكر لداعي العقوبة كما قيل :
وإذا الحـبيبُ أتـى بذنـبٍ واحـدٍ       جاءتْ محاسنهُ بألفِ شفيعِ  
وقــال آخر : 
فإن يكن الفعل الذي ساء واحداً       فأفعاله اللاتي سررن كثير
✔ والله سبحانه يوازن يوم القيامة بين حسنات العبد وسيئاته فأيهما غلب كان التأثير له فيفعل بأهل الحسنات الكثيرة الذين آثروا محابه ومراضيه وغلبتهم دواعي طبعهم أحياناً من العفو والمسامحة مالا يفعله مع غيرهم .. } 

مفتاح دار السعادة (1/176-177)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم