04‏/02‏/2015

من روائع قصص مصارع العشاق لابن النحّاس

قَبِلَ المهرَ وزُفّت العروس

* روي أنه كان في البصرة نساء عابدات، و كانت منهن أم إبراهيم الهاشمية، فأغار العدو على ثغر من ثغور المسلمين، فانتدب الناس للجهاد، فقام عبد الواحد بن زيد البصري في الناس خطيبا، فحظهم على الجهاد
 ، و كانت أم إبراهيم هذه حاضرة في مجلسه، و تمادى عبد الواحد في كلامه، ثم وصف حور العين و ذكر ما قيل فيهن، و أنشد في وصف حوراء:

غادة ذات دلال و مرح *** يجد الناعت فيها ما اقترح
خلقت من كل شيء حسن *** طيب، فالليت فيها مطرح
زانها الله بوجه جمعت *** فيه أوصاف غريبات الملح
و بعين كحلها من غنجها *** و بخد مسكه فيه رشح
ناعم تجري على صفحته *** نضرة الملك و لألاء الفرح

فماج الناس بعضهم في بعض، و اضطرب المجلس، فوثبت أم إبراهيم من وسط الناس، وقالت لعبد الواحد: "يا أبا عبيد، ألست تعرف ولدي إبراهيم، و رؤساء أهل البصرة يخطبونه على بناتهم، و أنا أضن به عليهم، فقد و الله أعجبتني هذه الجارية، و أنا أرضاها عروسا لولدي، فكرر ما ذكرت من حسنها و جمالها "..

فأخذ عبد الواحد في وصف الحوراء، ثم أنشد: 

تولد نور النور من نور وجهها *** فمازج طيب الطيب من خالص العطر
فلو وطئت بالنعل منها على الحصى *** لأعشبت الأقطار من غير ما قطر
و لو شئت عقد الخصر منها عقدته *** كغصن من الريحان ذي ورق خضر
و لو تفلت في البحر شهد رضابها *** لطاب لأهل البر شرب من البحر

فاضطرب الناس أكثر، فوثبت أم إبراهيم، و قالت لعبد الواحد: "يا أبا عبيد، قد و الله أعجبتني هذه الجارية و أنا أرضاها عروسا لولدي، فهل لك أن تزوجه منها، و تأخذ مني مهرها عشرة آلاف دينار، و يخرج معك في هذه الغزوة ، فلعل الله يرزقه الشهادة
 ، فيكون شفيعا لي و لأبيه يوم القيامة
 ؟ ".. 

فقال لها عبد الواحد: "لئن فعلت، لتفوزن أنت و ولدك و أبو ولدك فوزا عظيما". فنادت ولدها: "يا إبراهيم"، فوثب من وسط الناس، و قال لها: "لبيك يا أماه"، قالت: "أي بني، أرضيت بهذه الجارية زوجة لك، ببذل مهجتك في سبيل الله، و ترك العود من الذنوب
 ؟ "

فقال الفتى: "إي و الله يا أماه .. رضيت أي رضى"، فقالت: "اللهم إني أشهدك أني زوجت ولدي بهذه الجارية، ببذل مهجته في سبيلك، و ترك العود في الذنوب، فتقبله مني يا أرحم الراحمين". 

ثم انصرفت، فجاءت بعشرة آلاف دينار، و قالت: "يا أبا عبيد، هذا مهر الجارية تجهز به و جهز الغزاة في سبيل الله"، و انصرفت فاشترت لولدها فرسا جيدا و استجادت له سلاحا، فلما خرج إبراهيم يعدو و القراء حوله يقرءون: " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة "، فلما أرادت أم إبراهيم فراق ولدها، دفعت إليه كفنا و حنوطا، و قالت له: أي بني، إذا أردت لقاء العدو فتكفن بهذا الكفن، و تحنط بهذا الحنوط، و إياك أن يراك الله مقصرا في سبيله، ثم ضمته إلى صدرها و قبلت ما بين عينيه و قالت: يا بني، لا جمع الله بيني و بينك إلا بين يديه في عرصات يوم القيامة
 !! 

قال عبد الواحد: فلما بلغنا بلاد العدو، و برز الناس للقتال، برز إبراهيم في المقدمة فقتل من العدو خلقا كثيرا، ثم اجتمعوا عليه فقتلوه .. 

فلما أردنا الرجوع إلى البصرة، قلت لأصحابي: "لا تخبروا أم إبراهيم بخبر ولدها حتى ألقاها بحسن العزاء، لئلا تجزع فيذهب أجرها" ..

قال فلما وصلنا البصرة خرج الناس يتلقوننا، و خرجت أم إبراهيم فيمن خرج، فلما أبصرتني قالت: "يا أبا عبيد، هل قبلت مني هديتي فأهنأ، أم ردت علي فأعزى" .. فقلت لها: "قد قبلت و الله هديتك، إن إبراهيم حي مع الشهداء
 - إن شاء الله - "، فخرت ساجدة لله شكرا، و قالت:" الحمد لله الذي لم يخيب ظني، وتقبل نسكي مني ".. و انصرفت .. 

فلما كان من الغد أتت المسجد، فقالت: "السلام عليك يا أبا عبيد، بشراك..بشراك"، فقال: "لا زلت مبشرة بخير"، فقالت: "رأيت البارحة ولدي إبراهيم في روضة حسناء، و عليه جبة خضراء، و هو على سرير من لؤلؤ، و على رأسه إكليل، و هو يقول لي: 

"يا أماه .. أبشري ..
فقد قبل المهر ..
و زفت العروس "

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السلام عليكم